الخالق والخليقة
يدرك أفرام أن الفصل حاد بين الخالق والخليقة. في أحد أناشيده عن الإيمان(11:69) يتحدث عن هذه الفجوة الكيانية كهوّة، وهو بذلك يعكس التعبير الوارد في مثل لعازر والغني (لوقا 26:16). على امتداد هذه الهوّة "ما هو مصنوع لا يمكنه أن يصل إلى صانعه" (الإيمان 30:2). هذا معناه أنه ليس لدى "الطبائع" المخلوقة ما تقوله بشأن الطبيعة الإلهية.
على أن الوضع المحدد لهذه الهوّة بين الخالق والخليقة كان، في القرن الرابع، كما رأينا، موضع خلاف. يجعل أفرام موضع الكلمة الإلهي في جهة الخالق من هذه الهوة الكيانية، فيما تنتمي الكائنات الملائكية، جنبًا إلى جنب والكائنات الأرضية، إلى جهة الخليقة.
يرتبط بهذا الإدراك بشأن عجز أي من المخلوقات عن عبور هذه الهوّة إلى الخالق تسليم، يشترك فيه أفرام وعدد من الآباء، مؤدّاه أن العقل الذي يقتني معرفة شيءٍ ما ينبغي أن يكون أعظم من مادة معرفته. على أساس هذا الفهم للأمور، كل من يدعي إمكانية معرفة الله، وبالتالي وصفه، فكأنه يقول أن العقل البشري قادر على "احتواء" الله الذي لا يحتويه شيء. من هنا نفور أفرام من محاولات استقصاء (aqqueb) أو تفحص (b s a) طبيعة الله.
كل من كان قادر على استطلاع أمر ما
أضحى حاويًا لما يستطلعه؛
إن معرفة تفضي إلى احتواء الكلي المعرفة
تكون أعظم منه،
لأنها قادرة على قياسه بجملته.
عليه فإن إنسانًا يستطلع الآب والإبن
لهوَ أعظم منهما!
وحاشا أن يكون الأمر كذلك وأناثيما
أن يكون الآب والإبن موضع استطلاع،
فيما يتعظّم التراب والرماد! (الإيمان16:9).
إن تحذيرات أفرام المتكررة من "استقصاء" و"تفحص" التواري الإلهي يجب ألا تسوقنا إلى اعتباره معاديًا لما هو عقلاني. كلا البتة، فالعقل البشري، كما يراه هو، له مجال تحرك واسع في دائرة الخليقة، حيث يتمثل دوره في البحث عن نماذج ورموز ميسرة تعينه على فهم الحقـيقة الإلهية. فقط عندما يسعى العقل إلى عـبور الهوة الكيانية يستأهل الشجب. فالنطاق الموافق للاستطلاع العقلي محدود بالمواضع التي أظهر فيها الله نفـسه في العالم المخلوق، في المعلَنات. من هنا قول أفرام في أحد نشائد الإيمان(9:
:
ثمة استطلاع عقلي في الكنيسة
يستقرئ ما سبق إعلانه:
لم يكن العقل ليتفحص المخبوءات.
ويأتي هذا بنا إلى موضوعـنا التالي: التوتر المبدع في استعمال أفرام المتزايد لتعبيري"المعلَن" و"المخبوء".