المخبوء والمعـلن
إن استعمال أفرام لإحدى هاتين اللفظتين، "المخبوء" و"المعلَن"، مؤشر على اعتماده واحداً من منظورين مختلفين تمام الاختلاف. فهو بالأحرى يستعين بما يمكن تسميته"المنظور البشري": الله مخبوء إلا بقدر ما يكشف هـو عن نفسه. هذه الخبرة البشرية للتواري الإلهي (kasyuta) ممكنة فقط من خلال ما يكشف هـو به عن نفسه. بالنسبة للمخلوق، اختبار الإعلانات الذاتية لله، على تفاوتها، الواحدة بعد الأخرى، لا يمكن إذا ما ضُمّ بعضها إلى البعض الآخر أن يؤول إلى إعلان كامل للتواري الإلهي؛ فالكشف جزئي أبدًا. هذا معناه أن المنظور البشري ذاتي الطبع بصورة أساسية: كل فرد إنما يقرب تواري الله عبر مجموعة مميزة من نقاط الكشف (galyata).
غني عـن القول أنه في التجسّد، صار إعلان التواري الإلهي للبشرية على أكمل ما يكون، مع أن الألوهة، حتى في التجّسد، حافظت على تواريها.
مَن الذي لا يؤدي الشكر للإله المخبوء، أكثر الكائنات تواريًا، الذي أتى مفرِّجًا الإعلان الإلهي، وهـو أكثر الكائنات انفـتاحًا، لأنه لبس جسدًا وأحست به أجساد أخرى، مع أن العقول لم تدركه البتة. (الإيمان7:19)
رباه، من يقدر أن يحدق في تواريك
الذي صار إلى كشف؛
بلى، قد اعتُلِنَت عتمتك
ولوحظت؛ كيانك المخفي خرج إلى الضوء، بلا حد.
ذاتك المرهوبة حصلت في أيدي من أمسكوك.
كل هذا جرى لك، ربي،
لأنك صرت كائنًا بشريًا.
فالسبح لمن أرسلك،
ولم يعتوره الخوف،
لأنه انكشف ظهورك
وكذا مولدك البشري،
فإن ولادتك من الآب باقية بمنأى من الناس
وقد حيّرت كل الذين نظروا فيها. (الإيمان2:51-3)
وعلى خط مواز ٍلهذا المنظور البشري، الذاتي، ثمة منظور آخر هو منظور الحق الإلهي (Shrara، qushta). هنا نقطة الانطلاق ليست الخبرة البشرية لله، بل كيان الله الفعلي (ituta) ذا الوجود الموضوعي، الممكن اختباره فقط بطريقة متوارية ذاتية. ليست النماذج (Types) والرموز نقاط كشف galyata من هذا المنظار، ولا حالات من الإعلان الإلهي الذاتي من خلال الخليقة المنظورة، بل لها تواريها الذي يشير إلى شيء ما سوف يستعلن في المستقبل: ما هـو "مخبوء" في رموز الطبيعة والكتاب المقدس ينكشف في المسيح، في التجسد: أما ما يبقى مخبوءًا في الأسرار فلسوف يستعلَن في آخر الدهور، في الفردوس.
في شعر أفرام يتحابك هذان المنظوران بشأن المخبوء والمعلن على نحو خلاق إلى حد بعيد. حالة التوتر التي يحافظ أفرام عليها ما بين هذين القطبين ليست سوى حالة توتر بين تسامي الله وإقامته فيما بيننا.