أزمــــة الـــــدواﺀ مــجــددً ا.
أدوية غير شرعيّة "تسرح" فـــي الأســــــواق وفــــي أحــد الـــمـــراكـــز الــتــي تــتــدّعــي الــعــلاج. والنتيجة بدائل مخدّرة "تُهدى" سرا تحت عـــنـــوان: تــجــارة الأدويــــة.
ولدت الصرخة هذه المرّة من الانفلات الذي تؤاخيه الأدوية البديلة سيّما أدوية الأعصاب النفسية منها.
تعتبر أدويــة الأعصاب النفسية من أكثر الأدويــة مبيعاً بعد الأدوية المضادة للالتهابات فــي الأســواق العالمية واللبنانية. ومــن هنا تولد المعضلة. فالى جانب ارتفاع أسعارها تأتي كلّ شركة لتعتمد أنماطً ا مختلفة في تسويقها وتوظف وسائلها لإقناع الأطباﺀ بها. فيتحوّل بعض المندوبين الطبيين الــى مسوّقين لــلــدواﺀ بما يضمن فوزهم في منافسة البيع.
القصّة تبدأ مع ذاك الدواﺀ الشهير () Subutex الممنوع في لبنان سيّما أنه بديلٌ فعليّ عن الهيرويين. صحيحٌ أنّ الدواﺀ ممنوعٌ من قبل الوزارة وفي القانون ولكن ذلك لا يمنع واقع أنه مــوجــودٌ في الــســوق. فإيجاد الــدواﺀ المذكور يكاد يكون مستحيلاً في الصيدليات حتى إنّ مجرّد السؤال عنه يثير استغراب الصيادلة ويأتيك الجواب بالنفي القاطع. فتخرج مقتنعً ا بــأنّ الــدواﺀ لا يُــوزّع الــى أن تصطدم بما لم يكن في الحسبان: أحد مراكز معالجة المدمنين على المخدرات في لبنان يصف الــدواﺀ جهارً ا لا بل يذهب الى حدّ بيعه بـ 10 دولارات للحبة الــواحــدة، فيما لا تــزال الدولة تدرس كيفية استيراده. وبعد البحث يتبيّن أنّ من يمسك زمام الأمور إنما هو شخصٌ يرتبط نسبً ا بأحد الوزراﺀ السابقين والذي سهل إحضار الدواﺀ وتوزيعه بدلاً من أن يكون تحت طائلة الطبّ الشرعي اللبناني. وحسبما تشير بعض المصادر فمن الممكن أن يكون الدواﺀ مستوردً ا من فرنسا.
في إطار تجارة الأدوية يؤكد طبيب الأمــــراض النفسيّة ورئــيــس مركز يعقد مركز بلاد للعلاج والدرا سات واتحاد بلديات الشقيف ويرعاية وزير الصحة المؤتمر العلمي الاجتماعي والقانوني للمخدرات, وسبل اكتشاف المدمن والعواقب القانونية في مركز كامل يوسف جابر الثقافي في 13 آذار المقبل.
"بــلاد" للعلاج والدراسات النفسية والاجتماعية والتربوية أحمد عيّاش أنّ "هناك أدوية غير شرعية توزع في لبنان ولها ضوابط أخلاقية وتباع كأنها بديلٌ عن المخدرات. فالـ Subutex مثلاً هو عبارة عن هيرويين مصنّع في دواﺀ يُعطى عندما ينقطع هذا الأخير من الأسواق. فشركات الأدوية سيّما الخاصّة بالأعصاب منها تستخدم الصيادلة كمروّجين تجاريين بعيدين عن مهامهم الإنسانية. فعلى سبيل الطرفة, دعَونا في الأسبوع نفسه الى محاضرتين تحملان العنوان ذاته ولكن عبر شركتين مختلفتين, وكانت النتائج في كلتا المحاضرتين عند الــوصــول الــى اســم الـــدواﺀ الأفــضــل متناقضة تماماً. فسعر ذاك الــــدواﺀ الــمــروّج لــه فــي لبنان مــرتــفــع جــدا مــن دون أن يكون الــدواﺀ بــــالــــضــــرورة حلاً سحرياً لا عوارض جانبية مزعجة له، سيما أن معظم العوارض تظهر بعد أيّام او أشهر أو سنين.
كثرٌ من مجرّبي ذاك الدواﺀ ظنوا أنّ النتيجة الفعالة التي أتى بها على أولادهــم المدمنين إنما هي نتيجة نهائيّة سعرها بخسٌ، إلاّ أنّ الواقع يشير تمامً ا من تجربة أحد الشبان المدمنين الذين تناولوا الــدواﺀ الى أن تناوله بشكل مكثف قد يؤدي الى الهلوسة. وهنا يشير عياش الى أنّ "هناك شكوى تقدمت الى وزارة الصحّة ضدّ هذا المركز بالذات الذي يروّج لــدواﺀٍ غير شرعي إلاّ أنّ الوزارة لم تتحرّك". كثيرة هي الأدوية التي تقع ضحية لمفهوم التجارة العبثية.
فنظرة سريعة على بعض الأدويــة النفسية كفيلة بإلقاﺀ الضوﺀ على بعض الشركات المصنعة للدواﺀ التي لا تتردّد في ضخ ملايين الــدولارات لتسويق منتجاتها عبر المؤتمرات العلمية، ولعلّ الاستراتيجية المتبعة في معظم الأحيان تقوم على إبراز المنافع الجمة للدواﺀ الجديد والمعاد تــجــديــده والــهــجــوم عــلــى الأدويــــة "الــتــقــلــيــديــة" وتــلــك الــتــي ثبتت فاعليتها في جملة تجارب إكلينيكية وسريرية، وموثقة في مختلف المراجع العلمية والبحوث الدوائية. ولعل أبسط مثال على ذلك بعض الأدوية المضادة للإكتئاب كالـ "آميتريبتالين" والـ "آنافرانيل" اللذين أثبتت الملاحظات والتجارب أنهما لا يقلان فاعلية عن الأدوية المضادة للاكتئاب الحديثة.