إمامة مار شمعون برصباعي والاضطهادات التي اثارها شابور الملك على المشارقة
إن مار شمعون المعروف ببرصباعي أي ابن الصبّاغين كان من مدينة السوس في فارس وأتى المدائن وتثقف في العلوم والفضائل واستحق ان يكون اركدياقونًا لفافا سالفه. وأقيم نائبًا عنه في حال مرضه أي من سنة 316. فبرع في السياسة البيعية بالخبرة التي ظفر بها في خلال سنين طويلة ثم خلف في كرسي المدائن بعد موته وكان ذلك سنة 328.
ولم يكن نصارى المشرق مستريحين من الاضطهادات التي أصابت أهل مملكة الروم في القرون الثلاثة الأولى فان ملوك الفرس وملوك الروم انفسهم في امتداد حكمهم إلى هذه البلاد كثيرًا ما أذاقوهم العذابات كما مرّ الكلام عن الاضطهادات الأولى الأربعة. إلا أن هذه الاضطهادات لم تكن عمومية وقاسية كالاضطهادات التي ثارت على نصارى مملكة الروم. ولم تدم الحال اخيرًا على هذه الصورة بل انقلبت. فانه بعد ان نال نصارى المملكة الرومية السلام والراحة بتنصر قسطنطين الملك. تنغصت كنائس المشارقة بالاضطهادات العمومية التي احتملتها من ملوك الفرس.
وأول من نشّم بهذه الاضطهادات في مملكة فارس شابور الأول الملقب بذي الأكتاف وكان قسطنطين الملك قد بعث إليه برسالة فيها يوصي بالنصارى الذين تحت سلطان شابور اذ بلغه خبر الجور الذي كانوا يكابدونه منه. ولم تُصب مع ذلك هذه الوصية الغرض لعدم مبالاة شابور يومئذ بملوك الروم إذ كان يضمر في نفسه العداوة لهم وقد اظهرها اخيرًا باعلان الزحف على بلاد الروم. ومن أخص اسباب هذا الاضطهاد هو أن الديانة النصرانية كانت قد ملأت الجانب الأكبر من مملكته. واقتبلها أناس شرفاء حتى من أهل بلاطه. ورفضوا عبادة النار التي كانت الديانة الرسمية للمملكة. ومن أخصها ايضًا بغض الفرس الروم اعدائهم في السياسة اذ اصبحت النصرانية ديانتهم الرسمية. هذا وان اليهود انفسهم حرّشوا شابور على النصارى ليبرّدوا فيهم غليلهم. فأثار شابور في مدة ملكه اربعة اضطهادات قاسية. الأول في السنة التاسعة لملكه. وهو الاضطهاد الخامس على المشارقة والثاني في الثامنة عشرة لملكه وهو السادس. والثالث في الثلاثين ولم يقدح ناره إلا في الحادية والثلاثين وهو السابع.
أما الاضطهاد الخامس فثار على نصارى المشرق في سنة 319 وفيها أبرز شابور أمرًا عامًا بقتل النصارى ان لم يرتدوا عن إيمانهم. وأعظم الشهداء الذين تكللوا فيه سلطان ماهودخت وأخواها آدُرفروا ومهرنرسا. وكان هولاء القديسون الشهداء ابناء ملك في ارض درساس في ناحية باجرمي اسمه بولار. واقتبلوا الايمان المسيحي على يد مار عبدا القديس اسقف حربت جلال. ولما بلغ ذلك شابور الملك استشاط غضبًا وامر بقتلهم، فقتلوا بحد السيف.
والاضطهاد السادس كان في سنة 328 وكان أشد من الخامس. فضُيّق على النصارى بجبايات ثقيلة وهُدمت الكنائس وأحرقت الأديرة. وصار الولاة يجبرون النصارى على التمجّس.
وأما الاضطهاد السابع فكان الأطول والأقسى ودام أربعين سنة أي إلى موت شابور ولهذا يُدعى الاضطهاد الاربعيني. وكان بدؤه في سنة 341 وثقّل شابور على النصارى بالجزية وتأدية ضعف الضرائب المفروضة في شرائع المملكة وفتح على النصارى أبواب الظلم واقترح أنواعًا مختلفة لابادتهم.
واشتهر في هذا الاضطهاد لمقاومة شابور شمعون برصباعي الجاثليق. فان شابور كان قد الزمه بأن يجمع هو بنفسه من النصارى هذه الأتاوى المضاعفة. ولما كان ذلك من أكبر المظالم لوجهين مختلفين. كتب إليه شمعون رسالة قوية المتهُ بين له فيها ان ذلك ليس من وظيفته وان النصارى لا يلتزمون بسبب هذه الحيثية ان يؤدوا له ضعف الضرائب. ثم قال له ان كنت بهذه الحجة تريد ان تضطهدني فانا في يدك فعذب واجلد واذبح واقتل. فاني لا أرهب من الموت حُبًا برعيتي التي من أجلها تقلدت المنصب وأوكل إلي امر الاهتمام بخيرها وخلاصها. فهنيئـًا لي لو استطعت ان اقتدي بسيدي يسوع المسيح الذي بذل نفسه عن خرافه. أما شعبي فانه مستعد ليؤثر على هذه الحياة الفانية الموت الذي يُنيله الخلاص الأبدي. وكان من هذا الجواب المملو حماسة ان شابور اغتاظ فاصدر أمرًا بأن يقتل كل رؤساء الدين المسيحي وتخرب بيوت القدس. وتضبط كل المعابد المخصصة له. ثم اردف فقال: واما شمعون المتجاسر فليؤت به إلي مقيدًا ليدافع عن نفسه. فقُتل في هذه المذبحة عدد وافر من النصارى حتى ان عدد الشهداء الذين تكللوا في هذه الأثناء تجاوز حد الأحصاء. وكفاك شاهدا ان ماري المؤرخ يؤكد لنا أن شابور قتل في باجرمي وكرخ سلوخ فقط مئة وستين الفـًا وفي آثور وأربيل وبلاد الجزيرة ثلاثين الفـًا فتأمل.