كيف يتبرر الانسان عند الله موقع النعمة ..
الله قدوس بار يكره الخطية ويمقتها، ولا يقبل أن يكون في علاقة مع إنسان خاطئ، وهو في نفس الوقت محب ورحيم وغفور، ولكن الله لا يغفر ولا يرحم بغض النظر عن اعتبارات بره وعدله التي لا بد وأن تقتص من الإنسان الخاطئ " لأن أجرة الخطية هي موت".
لقد دخلت الخطية للإنسان فصار خاطئاً عاصياً مذنباً، ونجست الخطية الإنسان فصار نجساً ، وفصلت بينه وبين الله (وهو الحياة) ، فصار ميتاً روحياً، واستحق الموت الأبدي:
ما العمل إذاً؟
وكيف يمكن أن يُقبَل إنسان خاطئ ، مذنب ، نجس ، ميت أمام الله القدوس العادل ؟
إن للإنسان طريقه التي يحاول أن يصل بها الى الله .
الأعمال الحسنة
من صلاة وصدقة زيارة للأماكن المقدسة ... وغيرها مما يمكن عمله .
ولكن يبقى السؤال : هل تقدر هذه الأعمال أن تُبرّر الإنسان أمام الله ؟ إن الأعمال التي قد تبدو حسنة أمام الناس ليست كذلك أمام الله .
فالإنسان ينظر الى العينين ، أما الرب فإنه ينظر الى القلب. وماذا يجد الله في القلب. سوى نجاسة الخطية وشناعتها ؟
وهل يقبل الله عملاً خارجاً من قلب وكيان نجستهما الخطية ؟
إن العمل دائما يتصف بصفات المصدر ، لذا فإن أعمال برّنا هي نجاسة في نظر الله .
افترض أني أعطيتك تفاحة ليس فيها عيب ... ولكن قدمتها لك بيد متسخة قذرة .. فهل تقبلها مني؟
إن كان جوابك لا ... فهل يقبل الله عملاً ـــ مهما كان حسناً ـــ من إنسان نجس؟ فالإنسان عاجز عن فعل الصلاح .
لكن دعونا نفترض جدلاً أنه استطاع أن يعمل حسناً ، أيحسب هذا العمل فضّلاً؟ أم واجباً بحيث يُعدّ التقصير فيه خطية ؟
ولو فرضنا أيضا أن الإنسان استطاع أن يعمل أعمالاً حسنة ، هل هذه الأعمال كافية للتكفير عن خطاياه السالفة ومنحه غفراناً إلهياً ؟
دعونا نفكر ولنزن ليس كل السيئات ، بل سيئة واحدة أمام كل ما يستطيع الإنسان أن يعمله من أعمال حسنة.
إن الخطية تُقاس بالشخص الذي أخطئ ضده، بحيث يُحسب الخطأ بالكبير كبيراً، وحيث أن خطايانا هي في الأصل كسر لشرع الله فهي موجهة أساساً ضده تعالى .
وحيث أن الله غير محدود في عظمته، فخطية واحدة ضد الله غير محدودة. أما كل ما نعمله من أعمال ، فهي صادرة من إنسان محدود فهي محدودة في قيمتها .
وهنا نقول هل يستقيم ميزان في إحدى كفتيه خطية غير محدودة وفي الأخرى أعمال محدودة؟! إلى اية جهة يميل ؟
إن أعمالنا غير مجدية للتكفير عن خطايانا وقبولنا لدى الله .
التوبة
لكن دعونا نسأل مع ماذا تتعامل التوبة ؟ مع الماضي ؟ أم أنها تتعامل مع المستقبل ؟
الحقيقة ان لسان حال التائب "إنني لن أفعلها مرة أخرى"، ولو أنه يعود ويعملها .
حسناً ... ولكن ماذا عن الخطايا التي عُمِلت بالفعل ؟
دعني أوضح فكرتي :
افترض أن مجرماً قاتلاً مَثُل أمام العدالة نادماً على ما اقترفت يداه ، معلناً توبته وواعداً بأن لا يقتل إنساناً أبداً ... هل يقضي القاضي ببراءته ويأمر بإطلاق سراحه ؟ كلا ، بل يقول له: "حسناً قد تبت ، ولكن ماذا عن القتيل الذي قتلته؟"
هل نظن أن الله القدوس أقل عدلاً من القاضي البشري؟ حاشا. فمع أن التوبة مطلوبة لكنها وحدها لا تكفي .
ما الحل ؟
إن كانت الأعمل لا تجدي ، والتوبة لا تكفي ، وليس لدينا طريق آخر ، لكن الله عنده الطريق ...
إنه الفداء ... الذي يوفي مطالب الله العادلة ويفتح باب الغفران للإنسان .
ولقد أوضحه الله لنا رمزياً في قصة فداء ابن ابراهيم:
إن الحل كان من عند الله فالله هو الذي رتب الفداء ، ممثلاً في هذا الكبش الذي قدمه ابراهيم فداء عن ابنه ... وقد كان ذبحاً عظيماً !! فالعظمة ليست في الكبش بل في قيمة الفداء عند الله.
ولكن ... هل يكفي الكبش ، أو أية ذبيحة حيوانية لفداء الإنسان ؟
كلا ، فإن قيمة الحيوان أقل من قيمة الإنسان ، وما الذبيحة الحيوانية إلا رمزاً فقط للفداء الحقيقي.
فقد أمر الله في العهد القديم بتقديم الذبائح ليعلّم الإنسان شيئاً عن قداسته، وعن كراهيته للخطية.. لكي يعترف الإنسان بخطيته وأنه يستوجب الذبح جزاء خطاياه.
لكن من هو إذاً الفادي الحقيقي ؟ وما هي الشروط الواجب توافرها فيه؟
أولاً: يجب أن يكون إنساناً لكي يكون بديلاً عن الإنسان ، فإن ما هو أقل قيمة لا يكفي. يمكن للأعلى أن يفدي الأقل ولكن الأدنى لا يكفي لفداء الأعلى.
ثانياً : يجب أن يكون هذا الإنسان بلا خطية وإلا استحق الموت جزاء خطاياه الشخصية...
ثالثاً: يجب أن تكون قيمته غير محدودة بحيث تغطي قيمة كل البشر لأن كل البشر يحتاجون إلى الفداء .
رابعاً: يجب أن يكون الفادي غير مخلوق:
لماذا؟ ... لأنه لو كان مخلوقاً لكانت نفسه ملك خالقه، ولم يكن له الحق أن يضع ذاته فداء لآخرين ولا أن يضحي بما لا يملكه .
إنها حقاً شروط إعجازية !!
أين لنا بمثل ذلك الفادي ... الإنسان ... الذي بدون خطية ... غير محدود القيمة ... وغير مخلوق؟
مرة أخرى نقول: نحن البشر ليس لدينا حل هذه المُعضلة، لكن الله عنده الحل. فهو القادر على كل شيء.
إن الله يعلن لنا نفسه في الكتاب المقدس، :الله الواحد، ولكنه يعلن لنا أيضاً ، أن وحدانيته هي من نوع فريد خاص به وحده فهي وحدانية جامعة.
وهل يوجد غير الوحدانية المطلقة البسيطة؟ نعم... ففي الإنسان نفسه ظل لذلك، فالكيان الإنساني الواحد للفرد ليس كياناً بسيطاً فهو يضم ثلاثة عناصر متميزة في كيان إنساني واحد وهي:
الروح، والنفس، والجسد في الإنسان الواحد الفرد.
فإن كنت أنا المخلوق البسيط لي وحدانية ليست بسيطة، فإن أعلن لي الله خالقي أن له وحدانية جامعة خاصة به، هل استطيع أن أنكر عليه ذلك؟ كلا البتة.
لقد أعلن الله أنه الواحد الجامع للأقانيم . وأقنوم هي كلمة سريانية ، وتعني شخص مميز، لكن غير منفصل.
وأقانيم الله الواحد، الآب والابن والروح القدس:
إن علاقة الآب والابن ليست جسدية، حاشا ... بل هي علاقة روحية خاصة بالله, وتعني المساواة، والمعادلة، والمحبة المتبادلة، والإعلان.
ولأن الله أحب العالم، فهو المحب الودود، الذي أراد أن يفديه ويفتح أمامه طريق الخلاص والغفران، فقد أرسل الله ابنه، بمعنى أن أقنوم الابن قد تجسد .
والسؤال هنا: هل يستطيع الله ـ لو أراد ـ أن يتجسد، أي يأخذ لنفسه جسداً ليصير إنساناً؟ نقول نعم، لأنه سبحانه قادر على كل شيء. فقد تجسد الابن الأزلي، وولد المسيح من عذراء بدون أب بشري، لأنه هو في الحقيقة ابن الله.
وهكذا وُلِد المسيح إنساناً، وهو في ذات الوقت الله الظاهر في الجسد؛ أي له طبيعة إنسانية وإلهية في ذات الوقت.
لقد ظهرت في المسيح كل الصفات الإنسانية، فقد وُلِد وكبر، وأكل وشرب، وحزن، وتهلّل، وأخيراً أسلم نفسه للموت. وفي ذات الوقت أظهر كل الصفات الإلهية، وعمل الأعمال الإلهية.
وكان المسيح الإنسان الوحيد الذي عاش على الأرض بلا خطية، فهو القدوس، البار، الزكي، الخالي من العيوب، الذي لم يستطع الشيطان أن يمسه لا من قريب ولا من بعيد.
ولأنه ابن الله فهو غير محدود في قيمته.
ولأنه الله الظاهر في الجسد فهو الخالق وليس مخلوقاً.
وبذلك تكون كل شروط الفادي قد تحققت في المسيح وهو الوحيد الذي يستطيع أن يفدي، بل جاء لكي يفدي. لقد قال عن نفسه: "إن ابن الإنسان لم يأتي ليُخدَم، بل ليَخدُم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين". وأيضاً "إن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويُخَلِّص ما قد هلك."
وبعد حياة رائعة، مجيدة، شهد فيها الكل عن برّه، أسلم نفسه للموت، ليس لأنه يستحق، حاشا، بل لكي يفدي جنسنا العاصي الأثيم. وليس خفياً أنه كان يمكن للمسيح أن يتحاشى الصلب إن أراد، فهو الذي صنع المعجزات العظيمة ومعجزة صغيرة كانت كافية لتفريق الأعداء من حوله. لكنه ذهب لموت الصليب طوعا واختياراً، فهو الذبيح العظيم الذي كانت ترمز اليه كل الذبائح.
لكنك تسأل لماذا يقبل السيح وهو الإله أن يموت عني؟
إنها المحبة الإلهية للإنسان، فإن طبيعة الله محبة وهو المصدر والمنبع لكل محبة في قلوب خلائقه. دعني أوضح ذلك:
افترض انك في بيتك، وابنك يلعب وفجأة شبّت النيران في غرفة الابن فكيف ستتصرف كأب؟ أنا واثق أنك تندفع نحو الغرفة غير عابئ بالنيران ... ولا ما قد يصيبك من أذى... غير خائف من الموت... لأنك تحبه ولأنه ابنك. دعني أسألك من علّمك أن تفعل هذا؟ إنه الله المحب الذي وضع في قلبك تلك المحبة المضحية تجاه ابنك. فإن كنت وانت إنسان محدود تحب ابنك حتى الموت؛ فهل محبة الله ـــ وهو مصدر كل حب، أقل من محبتك لابنك؟ لذلك رضي المسيح أن يموت، “لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية.” (يوحنا 3: 16).
وهكذا في موته الكفاري على الصليب بديلاً عن الخطاة، وبسبب قيمته شخصيه الغير محدودة، قد وفّى الله كل مطالب برّه وعدله.
وعلى هذا الأساس فإن الله، وقد وفيت مطالبه العادلة في المسيح، قد قبل عمل المسيح الكفاري، والدليل هو قيامة المسيح من الأموات في اليوم الثالث وصعوده إلى السماء.
والله الآن يقبل كل من يؤمن بالمسيح وبعمله الفدائي وياتي إليه عن طريق المسيح، ويمنحه غفراناً أبدياً وحياة أبدية. وبالإضافة الى ذلك فإن من يأتي الى الله في المسيح فإن الله يخلقه خليقة روحية جديدة، ويعطيه طبيعة تتوافق معه... تحب العلاقة والشركة معه، وتميل الى الصلاح وتكره الشر.
هل فهمت عزيزي معنى الفداء؟
ها أدركت طريق الله للتبرير والقبول لديه؟
لقد قال المسيح: "أنا هو الطريق والحق والحياة". وذكر الكتاب المقدس "ليس بأحد غيره (أي المسيح) الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص".
عزيزي، "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها الموت". هل الطريق الذي تسير فيه من هذا النوع؟ !
اطلب الى الله الذي يعرفك، ويُحبك، ويسمعك؛ وبتأكيد سوف يُجيبك، قل له:
"يا رب افتح قلبي وذهني من فضلك، واهدني الى طريقك القويم، وأنر قلبي بمعرفتك المعرفة الحقيقية. آمين".
أشجعك أن تقرأ الكتاب المقدس، الذي تجد فيه الطريق الوحيد للقبول أمام الله