عندما كنت صغيرة كانت أكبر أعجوبة بالنسبة لي مروحة تدور كيف تدور ؟ ولم تدور ومن يجعلها تدور ؟ فغدر بي الزمان فزادني يوما فشهرا وسنة.. فكبرت وكم في صغري تمنيت أن تجري الأيام والسنون وأكبر فأرتدي حذاء أمي العالي وأضع عباءتها على رأسي وكم حلمت أن أشرب القهوة مثل جدتي وأكل مع الكبار في صفرتهم المديدة لكن بعد أن تحققت أمنياتي وجرت الأيام جريان السحب وأصبحوا ينظرون الي على أني امرأة كبيرة هذه النظرات التي كنت أتمناها في صغري أصبحت تضايقني تزعجني لكن كان لابد أن أتحمل تلبية الطبيعة لندائي.
بالأمس كنت أذهب مع جدتي الى كل مكان حافية القدمين واليوم جدتي ترفض أن أرافقها أصلا لأني كبرت بالأمس الكل كان يقبلني بمناسبة أو دون مناسبة واليوم أن بكيت لا أحد يمسح على رأسي بالأمس كنت أبتسم في كل مكان وفي أي مكان واليوم ابتساماتي محدودة محسوبة بالأمس كنت أسكب عطر أمي على كل يوم واليوم أصبحت محرمة علي مكروهة بالأمس كان كلامي لايزعج الناس واليوم أحاسب على الهمسة بالأمس كنت لا أفكر بالغد إلا إذا كان لدي حفل واليوم أفكر بالسنة المقبلة كيف ستمضي بالأمس في صغري كنا نشاطر فتات الخبز واليوم كل لديه خبزه لايشاركة أحد.
بالأمس كان وجهي مقبولا كما هو اليوم بدون ألوان زاهية لايقبله أحد بالأمس لم يكن لدي هذا القلم والمذكرة أكتب عليها أحزاني كان لدي جدران بيتنا كله لأرسم ما أريده رغم ان والدتي كانت توبخني لكن كنت في قمة انبساطي.. اليوم وأنا في زاوية غرفتي الخاصة وأكتب على دفتري الخاص دون أن يكدرني أحد او يوبخني.. ليت أمي توبخني ليتها تأخذ مني مذكراتي وقلمي ليتها لا تجعلني أمجد أحزاني على ورقة سأقرأها فيما بعد فيعود كدري نهايات لم يتغير في أي شي الى الآن أحس اني تلك الفتاة الصغيرة التي تذهب مع جدتها كل صباح الى البقالة لكن الزمان نظر الى شكلي وتعامل معي كما يتعامل مع الكبار.