الله اختار شعب وابناء أسرائيل وجعلهم شعبه المختار استناداً على وعده الذي قطعه مع ابراهيم بأن يقيم من نسله او سلالته امة عظيمة. ابراهيم بيّن وكان مستعداً ليطيع المطلوب منه مهما كان ليكون، والرب جرب ايمانه وولاءه الى اقصى ما يمكن من خلال طلبه بان يقدم ابنه أسحاق محرقة امام الله "تكوين22 :1 ـ18 ". المطلب الذي لم يحتاج ابراهيم لاتمامه... قصّدا الله من هذا كله مباركة وتقديس الامم والشعوب من خلال سّلف ابراهيم، وكان واضحاً في "تكوين22 :18" (وبذريتك تتبارك جميع امم الارض، لانك أطعتني). ولكن البركة كان لها شروطها واصبحت بمثابة عهد بين الله وشعب أسرائيل. والشرط كان اطاعة الله بالقول والفعل للاثبات بانهم اولاد ابراهيم بالايمان وانهم أهل للبركة، ( واباً للمختونين الذين ليسوا من اهل الختان وحسب بل الذين يسيرون في خطى الايمان الذي كان لابينا ابراهيم وهو بعد غير مختون) في "رسالة روما4 :12 ". لذلك حافظ ابراهيم على تعليم ابنه أسحاق في السير بالايمان للمحافظة على البركة، وأسحاق علم ابنه يعقوب وتزايد عدد افراد العائلة، ويعقوب الذي غّير اسمه الى اسرائيل قاد شعبه الى مصر واستواطن هناك، وبني أسرائيل كثر عددهم ومشاكلهم واصبحوا عبيداً في بلاد الغربة.
ولاتمام عهد الله لابراهيم ونسله اخرجهم من مصر واعطى لهم برغبته قوانينه وشرائعه مكتوبة على الالواح حجرية. موسى قاد شعب أسرائيل وذكرهم بانهم شعب الله المختار في "خروج 19 :6" ( وتكونون لي مملكة كهنةٍ وامّة مقدسة) وبهذا يقصد بان شعب ابراهيم يكون شهادة حية ومثال أعلى للشعوب الاخرى. (انظروا، ها انا قد علمتكم شرائع واحكاماً كما امرني الرب الهي لتعملوا بموجبها في الارض التي انتم ماضون اليها لترثوها. فاحفظوها وطبقوها، لانها هي حكمتكم وفطنتكم لدى الشعوب الذين يسمعون عن هذه الشرائع فيقولون: ان هذا الشعب العظيم هو حقاً شعب حكيم فطن). "تثنية4 :5ـ6"
ومن دون ريب اصبح اولاد أسرائيل المثل المردع للشعوب الاخرى. حيث انهم لم يقودا الامم لله وانما بعدوا بانفسهم كثيراً عنه، بتقديم اطفالهم ذبائح محرقة لاله وثني مولك في "ارميا32 :33ـ35 ". بني أسرائيل كانوا بالحقيقة نسل ابراهيم بالجسد فقط اما الجانب الروحي فلم يرثوا شيئاً من قلبه، ايمانه ورغبته الكبيرة في اتباع الله. حيث لم يبينوا بأنهم المختارين الذين كانوا من خلف ابراهيم والوسيلة لاستخدامهم من قبل الله؛ وبركة الرب اصبحت بعيدة عنهم. وبرغم من ذلك تعلق بني أسرائيل بشدة بالعهد القديم الذي تم بين الله وابراهيم وحسبوا بان البركة هي من نصيبهم برغم من كل شىء، ولكن نظرة الله لم تكن كذلك للأمور. حيث نادى يوحنا المعمدان لتوضيح ولفت النظر لبعض الفريسيين والصدوقيين قائلاً (ولا تعللوا انفسكم قائلين: لنا ابراهيم أباً! فاني اقول لكم: ان الله قادر ان يطلع من هذه الحجارة اولاداً لابراهيم). "متى3 :9 ". لم يكن نسل ابراهيم الجسدي كافياً ليكونوا اولاده والآخذين بالوعد وانما المطلب كان القرابة والصلة الروحية التي كانت عنده والعاملة من اجل الايمان والثبات فيه للحصول على البركة، مكتوب في رسالة بولس الرسول الى اهل "روما في 9 :6 ـ7 " (لست اعني ان كلمة الله قد خابت. اذ ليس جميع بني اسرائيل هم اسرائيل؛ ولا لانهم نسل ابراهيم كلهم اولاد لله). ومكتوب ايضاً في "روم 2 :28 ـ29 " ( فليس بيهودي من كان يهودياً في الظاهر ولا بختان من كان ظاهراً من اللحم. وانما اليهودي هو من كان يهودياً في الباطن والختان هو من كان ختانا للقلب بالروح لا بالحرف). برغم من ان بني اسرائيل لم ينجحوا ابداً كشعب بالعيش كاستقامة وامانة ابراهيم امام الله الا ان العهد كان ثابتاً بين الله وبينهم. ابراهيم ولد له الخلف الذي كان من نسله وبواسطته تحققت البركة بعد آلاف الاعوام، وتمم العهد بين الله وابراهيم بشكل شامل وابدي وبدون حدود.
يسوع من الناصرة المسيح (القائد المختار من الله) الذي من خلاله كلم الله الانبياء عن كيفية تحويل الامال القديمة الى حقيقة... العهد الجديد يؤكد منذ البداية بان يسوع المسيح هو ابن ابراهيم وبناء على ذلك فانه الوارث الشرعي للوعد الذي قطعه الله مع نسل ابراهيم "متى 1:1 "، اي الذي اتبع رغبة الله كما فعل ابراهيم وعن طريقه يتم خلق العائلة الجديدة وصلة القرابة الروحية مع نسله وتكون لاسرائيل العلاقة الروحية بالله. (فاذا كنتم للمسيح، فانتم اذن نسل أبراهيم وحسب الوعد وارثون). "غلاطية 3: 29 " ومكتوب ايضاً في "غلاطية 3 :6ـ9 " ( كذلك" امن ابراهيم بالله، فحسب له ذلك براً". فاعلموا اذن ان الذين هم على مبدأ الايمان هم ابناء ابراهيم فعلاً. ثم ان الكتاب اذ سبق فرأى ان الله سوف يبرر الامم على اساس الايمان، بشر ابراهيم سلفا بقوله "فيك تتبارك جميع الامم!" اذن الذين هم على مبدأ الايمان يباركون مع ابراهيم المؤمن).وفي "روما 9 :25 ـ26 "وذلك على حد ما يقول ايضًا في نبوءة هوشع" من لم يكونوا شعبي سأدعوعم شعبي، ومن لم تكن محبوبة سادعوها محبوبة. ويكون انه حيث قيل لهم لستم شعبي، فهناك يدعون ابناء الله الحي".
الرعية او الجماعة الجديدة التي وضع لها يسوع الاساس ليكونون المدعوين ابناء ابراهيم الروحين شملت جميع شعوب العالم باختلاف اجناسهم واصنافهم، والنسب العائلي الذي يربطنا بالوالدين الاصلين ليس له علاقة بتاتاً بالامكانيات التي لدينا للحصول على البركة من ابراهيم والذي ياتي بعده. وانما الذي يقرر هو كم نحن روحين في سلوكنا. وعد الله يبقى ثابتا وعلاقة الرب مع ابناء اسرائيل لم تتغير ولكن الوعد امتد ليشمل جميع الشعوب. الرب استخدم جسد اسرائيل ليخلق عن طريقها اسرائيل الروحية، والتسمية كانت ولاتزال قائمة بين الشعوب لاجل واجب وهدف عظيم. لذلك لايبقى للقرابة الجسدية اي ظهور. في "اعمال الرسل10 :34ـ35" ( فبدأ بطرس كلامه قائلا: تبين لي فعلاَ ان الله لا يفضل احداَ على احداَ، بل يقبل من يتقيه ويعمل الصلاح مهما كانت جنسيته)
فالله لايفرق بين الناس. ومصيرنا الابدي لايتاثر اذا كنا اشورين او اسرائيلين. الذي يحسم الامر هو كيف لكل انسان بغض النظر عن الاصل او النسب الذي ينتمي اليه، وبغض النظر اذا كان يهودي، عربي، اسود، ابيض، اوربي، افريقي او مولود من والدين ديانتهم هي بوذا، هندوس، مسلم، مسيحي، يهودي او حتى ملحد، وبغض النظر من اي ثقافة ومن اي جزء من العالم نحن تربينا ونشأنا، له الامكانية من ان ينتمي الى عائلة ابراهيم الروحية وسلكنا بايمان كابراهيم مع الله وقرارنا ان نعبده ونطيع رغبته وندع روحه تقودنا عندئذ ننتمي الى عائلة اسرائيل اي (ابناء اسرائيل).
فنحن بعد لانرث فقط المللكة الارضية لله وانما لنا الوعد الابدي في ملكوت الله السماوية.
وخاتمة الموضوع هي ان الرب لايختار فقط شعب معين ليدعمه ويعطيه البركة، ولا يفضل شعب اكثر من غيره وانما الكل متساوين بالقيمة الانسانية. عندما اختار شعب اسرائيل منذ البدء كان هدفه جعل الشعب وسيلة لتتبارك جميع الشعوب، ويظهر عمل الرب الخلاصي للبشرية في ملكوته الارضي وكمال الانسانية لتصبح على صورته الروحية لاجل الحياة الابدية معه.