تغير المناخ والأمن الغذائي
1 - من المتفق عليه، بوجه عام، أن تغير المناخ ناجم عن نشاط الإنسان بما في ذلك الإنتاج الصناعي وعوادم السيارات وقطع الأشجار. وهذه الأنواع من الأنشطة تزيد في تركيز ثاني أكسيد الكربون والميتان والأكسيد النتري وغيرها من غازات الدفيئة في الجو (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، 2001) 2 وإذا ما استمر الاتجاه الراهن في انبعاثات الكربون، فإن درجات الحرارة سوف تزيد بنحو درجة مئوية واحدة بحلول عام 2030 وبدرجتين مئويتين في نهاية القرن القادم. ومن جهة أخرى، فإن هذه الزيادة ربما ستكون لها تأثيرات متباينة باختلاف الأقاليم. فالتأثيرات على الزراعة مثلا سوف تكون أكثر ضررا في المناطق الاستوائية مما هي عليه في المناطق المعتدلة. وسوف تستفيد البلدان المتقدمة بقدر أكبر ذلك لأن من المقدر أن تزيد إنتاجية الحبوب في كندا وشمال أوروبا وبعض أنحاء روسيا. وعلى العكس من ذلك، فإن من المحتمل أن تتأثر بصورة سلبية البلدان النامية الأشد فقرا في الوقت الراهن خلال السنوات الخمسين إلى المائة القادمة مع تقليص في مساحة الأراضي الزراعية وإنتاجياتها المحتملة. وسوف تكون إفريقيا جنوب الصحراء أشد المناطق تضررا وذلك بسبب عدم مقدرتها على التلاؤم بقدر كاف من خلال توفير الموارد الضرورية أو من خلال زيادة وارداتها من الأغذية.
2 - ويمكن فهم المشكلات التي تواجه المزارعين على نحو أفضل إذا ما درس المرء تأثير تغير المناخ على الطقس أو هطول الأمطار ذلك لأن درجات الحرارة وأشعة الشمس هي العوامل الرئيسية الكامنة وراء الإنتاج الزراعي. فتغير المناخ يمكن أن يغير في هذه العوامل مما يسبب تهديدا خطيرا لتوافر المياه وتقليصا في الإنتاجية الزراعية وانتشار الأمراض التي تحملها القوارض إلى مناطق جديدة وزيادة الفيضانات بسبب ارتفاع منسوب البحار وأيضا بسبب هطول الأمطار الغزيرة. فتغير المناخ هو في واقع الأمر السبب الرئيسي لتقلبات الإنتاج من عام إلى آخر في البلدان المتقدمة والنامية على السواء. وتشير دراسة أعدتها منظمة الأغذية والزراعة في عام 1996 إلى أن أشد انخفاض في إنتاج الحبوب سوف يحدث في البلدان النامية حيث يتوقع أن يبلغ متوسط هذا الانخفاض نحو 10 في المائة3. ويجب التنويه إلى أن انخفاضا متوقعا ما بين 2-3 في المائة في إنتاج أفريقيا من الحبوب في عام 2020 سوف يكون كافيا لوحده لتعريض نحو 10 ملايين شخص للأخطار. وتستلزم هذه التأثيرات جهودا للتكيف يصعب تحملها من قبل السكان الذين تقل لديهم إمكانات الحصول على الموارد أو المدخرات الضرورية. وفي واقع الأمر، فإن التأثيرات الحقيقية سوف تحدث في المناطق التي يتميز فيها الإنتاج الغذائي حاليا بأنه حدي غالبا.
3 - وفيما يلي بعض تأثيرات تغير المناخ على إنتاج الأغذية والتي تبدو ملموسة فعلا وتطّرد وتيرتها بسرعة أعلى مما كان متوقعا من قبل:
* ترتفع درجات الحرارة الإقليمية في خطوط العرض الشمالية العليا وفي وسط بعض القارات؛
* يسبب ارتفاع درجات الحرارة في اجهاد المحاصيل والماشية، مثال ذلك ارتفاع درجات الحرارة في الليل يمكن أن يؤثر بصورة سلبية على تكوين الحبوب وعلى الجوانب الأخرى لنمو المحاصيل؛
* احتمال انخفاض منسوب الأمطار في بعض مناطق انعدام الأمن الغذائي كالجنوب الأفريقي والمنطقة الشمالية من أمريكا اللاتينية؛
* زيادة معدلات التبخر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وهبوط مستويات رطوبة التربة؛
* تمركز هطول الأمطار في عدد ضئيل من الفترات المطيرة، والزيادة في عدد أيام الأمطار الغزيرة، مما يؤدي إلى أخطار الإنجرافات والسيول؛
* التغيرات في التوزيع الموسمي لهطول الأمطار، مع نقص الهطول في فصل نمو المحاصيل الرئيسية؛
* ارتفاع منسوب مياه البحار، الأمر الذي يؤدي إلى إغراق أجزاء من بعض البلدان الكثيفة السكان والمعرضة للفيضانات، مما يسبب نزوح الملايين؛
الاختلالات في إنتاج الأغذية وإمداداتها بسبب تزايد وتيرة وشدة الأحداث غير المألوفة.
4 - ونظرا لأن انعدام الأمن الغذائي يتوقف على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أكثر مما يتوقف على الأوضاع الزراعية المناخية، فإن الأساليب التي يمكن فيها لتغير المناخ أن يؤثر على مقدرة السكان في الحصول على ما يكفيهم من الأغذية تعتبر بالغة التعقيد. وسوف يعتمد الأمن الغذائي في المستقبل بصورة رئيسية على العلاقات المتبادلة بين الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وعلى التقدم التكنولوجي والسياسات والأسعار الزراعية وزيادة معدل الدخل الفردي والدخل الوطني وتقليص ظاهرة الفقر وتعليم المرأة والتجارة وتغير المناخ 4 ومن جهة أخرى، فإن تغير المناخ يمكن أن يؤثر في التوافر المادي للإنتاج الغذائي، من خلال التغيرات في درجات الحرارة وفي هطول الأمطار؛ وفي مقدرة السكان على الحصول على الأغذية نتيجة لانخفاض دخولهم من الصيد الساحلي بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار؛ أو في تراجع حصيلة البلاد من العملة الأجنبية بسبب تدمير محاصيلها التصديرية نتيجة زيادة وتيرة الأعاصير الاستوائية.
5 - وهناك بعض الجماعات التي هي معرضة بوجه خاص لتغير المناخ وهي:المجموعات ذات الدخل المنخفض في المناطق المعرضة للجفاف والتي تفتقر إلى البنية الأساسية ولنظم التوزيع السوقي؛ والمجموعات التي يتراوح دخلها بين المنخفض والمتوسط في المناطق المعرضة للفيضانات والتي يمكن أن تفقد مخزوناتها من الأغذية أو ممتلكاتها؛ والمزارعون الذين قد تتعرض أراضيهم للدمار لطغيان مياه البحار عليها؛ والصيادون الذين قد يفقدون مصيدهم بسبب تغير التيارات المائية أو نتيجة طغيان مياه الفيضانات على مناطق تفريخ الأسماك. ومن جهة أخرى، يعتقد بأن مزيدا من البلدان سوف تحقق بحلول عام 2030 مزيدا من التحسين في اقتصادياتها ومرافقها ومؤسساتها وسوف تكون قادرة على التعويض عن تأثيرات تغير المناخ على إنتاجها المحلي من خلال استيراد الأغذية من بلدان أخرى.
باء - دور الزراعة في تخفيف تأثيرات تغير المناخ
6 - إن الزراعة ذاتها مسؤولة عن نحو ثلث انبعاثات غاز الدفيئة. فالأنشطة مثل حرث الأرض والزراعة الإنتقالية (أحصد وأحرق) لأغراض التوسع الزراعي تسبب في إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء. وإن أكثر من 40 في المائة من غاز الميتان الذي يسببه الإنسان يتأتى من انحلال المواد العضوية في حقول الأرز المغمورة بالمياه. كما أن نحو 25 في المائة من انبعاثات الميتان في العالم تتأتى من الماشية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الزراعة مسؤولة عن 80 في المائة من إنبعاثات أكسيد النترون التي يسببها الإنسان من خلال تحلل الأسمدة، ومن روث الماشية وبولها. ومن جهة أخرى، يمكن الحد كثيرا من انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن الزراعة كما يمكن عمل الكثير لتقليل تأثيرها على الإنتاج وعلى سبل معيشة المزارعين، وخصوصا في البلدان النامية.
7 - ويمكن للمزارعين استخدام آليات التكيف التي تقاوم تغير المناخ من خلال أنشطة بعينها كاستخدام أنواع المحاصيل المقاومة للجفاف أو الملوحة، واستخدام موارد المياه على نحو أكفأ، والتحسين في إدارة الآفات. ويمكن أن تشمل التغييرات في الأنمـاط الزراعية، تقليص استخـدام الأسمدة وتطويــر إدارة إنتاج الأرز، وتحسين الأعلاف وإدارة فضلات الماشية على نحو أفضل. إضافة إلى ذلك، يتعين على الحكومات الوطنية أن تضطلع بدور مهم في تطبيق سياسات استخدام الأراضي التي تحد من التوسع في أسلوب أحصد وأحرق وبدلا من ذلك تشجع تربية الماشية على نحو مكثف، فضلا عن إتاحة مزيد من الفرص للعمالة في الريف.
8 - كذلك يمكن أن يكون امتصاص الكربون وسيلة يمكن للزراعة، من خلالها، أن تسهم بصورة إيجابية في تخفيفه فضلا عن تزايد أهميته الاقتصادية والبيئية في سياق بروتوكول كيوتو. وتشير التقديرات إلى أن مساهمة الأراضي المحصولية في امتصاص الكربون خلال العشرين إلى الثلاثين سنة القادمة تتراوح بين 450 - 610 ملايين طن من الكربون كل عام. وبتطبيق أساليب أفضل في إدارة الأراضي (تحسين تسميد التربة وإدارة المياه، ومكافحة التعرية، وتحويل الأراضي المحصولية في البلدان الصناعية إلى غابات دائمة أو مراعي أو نظم إيكولوجية، ومحاصيل الكتلة الحية، وحرث التربة لصيانتها، وغير ذلك) يمكن أن تعزز كثيرا في دور الزراعة كبالوعة رئيسية للكربون وكآلية تعويضية بشأن إسهام الزراعة في غازات الدفيئة.
9 - كما يمكن أن تلعب الزراعة دورا في تقليص احتراق الوقود الأحفوري. ومن الممكن استبدال نحو 20 في المائة من استهلاك الوقود الأحفوري في الأجل القصير باستخدام وقود الكتلة الحية. ففي البرازيل تسير نحو 6 ملايين سيارة باستخدام جزئي للكحول المستخلص من قصب السكر. وفي الصين حاليا نحو 10 ملايين جهاز محلل للروث ينتج وقودا نظيفا للطهي وسمادا عضويا. فالأعشاب سريعة النمو والبذور الزيتية والمخلفات الزراعية تتيح إمكانات كبيرة كبدائل لتوليد الطاقة. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه المبادرات المتعلقة بالطاقة العضوية لها أيضا تأثير إيجابي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الريف.
10 - والاستجابة للسياسات لا يمكن أن تقتصر على تعزيز الدور التخفيفي للزراعة لكنها تستطيع في الوقت ذاته أن تقلل من امكانات تعرض الفقراء لانعدام الأمن الغذائي. ويمكن إتاحة فرص جديدة للعمل في الريف في إطار الجهود لاستبدال الوقود الأحفوري بوقود عضوي. إضافة إلى ذلك، فإن برامج امتصاص الكربون يمكن أن تساعد في زيادة الإنتاج الزراعي وفي تحسين استدامته عموما. وبغض النظر عن المنهج، فإن من الواجب إدخال التغييرات التكنولوجية والمؤسسية الآن قبل أن يصبح تأثير تغير المناخ أمرا لا يمكن تفاديه. والأكثر من ذلك أهمية هو أن من الواجب التصدي للفقر وتخفيف وطأته إذا ما أريد الحد من آثار تغير المناخ مع نهاية القرن القادم.